وهناك أمور ينبغي التنبه لها أثناء الصياغة، وهي على النحو التالي:
الأول: الإخلاص الإخلاص لله -تعالى- في كتابته، واستحضار النية الخالصة، ومجاهدة النفس في ذلك؛ فلا تعجبه نفسه أثناء الكتابة، أو يتذكر مدح المصلين له، وماذا سيقولون عن خطبته؛ فإنه إن أخلص لله -تعالى- بارك الله في كتابته وجهده، ونفع به الأمة.
الثاني: التعايش مع الخطبة أن يعيش مع الخطبة بقلبه، ويضع نفسه محل السامع؛ أي كأنه المخاطَب بهذه الخطبة؛ لأن ذلك سيجعله يختار العبارات التي يرضاها ويحبها وتقنعه؛ فمثلا لو كان يوجه نصيحة لواقعٍ في معصية معينة؛ فليضع نفسه مكان صاحب هذه المعصية، وكأنه المخاطَب بهذا الخطاب؛ فذلك أدعى للتأثر، وأجود في انتقاء الألفاظ المناسبة. وبعض الخطباء الذين لا يراعون هذه الناحية تجدهم يترفعون على صاحب المعصية، ويخاطبونه من علو؛ فيكون عتابهم عنيفا، وربما لا يقبله صاحب المعصية، لكنه لو وضع نفسه مكان صاحب المعصية، وبدأ بالعتاب فسيكون عتابا رقيقا، تقبله النفوس وتتأثر به.
الثالث: الاستقرار النفسي إنْ أحسّ الخطيب أن القلم لا يجاريه في الكتابة، وأن أفكاره مشتتة، وذهنه مشوَّش فليتوقف عن الكتابة حتى يزيل ما يشغله أو ينسيه، ثم يعود إليها مرة أخرى.
الرابع: سلامة العبارة وجودة الأسلوب إذا أشكلت عليه بعض الكلمات أو الجمل من جهة إعرابها، أو صرفها، أو دلالتها على المعنى الذي يريده، أو كونها غير فصيحة فله خياران: 1- الرجوع إلى المعاجم اللغوية للتأكد من صحة الكلمة، ومناسبتها للمعنى الذي أراده، أو سؤال من يعلم ذلك من أهل اللغة والنحو. 2- استبدال الكلمة أو الجملة التي يشك فيها بكلمة، أو جملة أخرى يعلم صحتها، واللغة العربية غنية بالمترادفات من الكلمات والجمل. وإن كنتُ أستحسن الطريقة الأولى؛ لكي ينمِّي الخطيب مهاراته اللغوية، وتزداد حصيلته من الكلمات والجمل.
الخامس: الاهتمام بعلامات الترقيم العناية بعلامات الترقيم، وبداية الجمل ونهايتها؛ حتى يعينه ذلك على قراءة الخطبة بشكل صحيح، وعدم التعتعة والإعادة، وكثرة التوقف والتلكؤ.
السادس: عرض الأمثلة ويكون بضرب أمثلة محددة إذا توافرت من الماضي الإسلامي وغير الإسلامي، أو قصص تصويرية أو ألغاز أو أشعار، ومناقشة ما اقتُرِح من حلول لوقائع تاريخية مشابهة وما حققته تلك الحلول من نجاح أو إخفاق، أما إذا كانت القضية جديدة تماما فتُناقش أوجه الشبه أو التباين بينها وبين حالات سابقة.
السابع: شَخِّص المشكلة واقترح الحلول ويكون ذلك: - بتشخيص المشكلة بشكل إبداعي مستشهدا بالآيات القرآنية التي تعين في التحدث عن الحل. - ارجع إلى السنة الشريفة لمزيد من التوضيح. - افحص إمكان تطبيق المبادئ القرآنية في واقع المسلمين اليوم. - خذ في حسابك ما طرح من اجتهادات في تفسيرها كمحاولة للتوصل إلى الحل. - قدم اقتراحات لحلول جديدة في إطار مقاصد الشريعة الغراء حين لا توجد النصوص المباشرة في القضية محل البحث. |
عناصر الخطبة
إن للخطبة عناصر يحسن للخطيب مراعاتها عند إعداد خطبة الجمعة، ومن أهم ما ذكروا منها ما يأتي:
الأول: ترابط عناصر الخطبة
ينبغي أن تكون عناصر الخطبة مترابطة، متكاملة، بحيث يكون كل عنصر جزءا من موضوع الخطبة العام، وثيق الصلة بالعنصر السابق له واللاحق به، لتجتمع هذه العناصر بأفكارها، مكونة الفكر العام للخطبة، محققة بذلك الهدف المنشود، مركزة على موضوع واحد، دون التطرق والتشتت في مواضيع أخرى مختلفة، مما يؤدي بالسامع إلى أن يسمع فكرة واحدة مترابطة.
فتعدد المواضيع في الخطبة الواحدة يشتت ذهن السامع، ويجعل الحيرة رفيقة، وقد يخرج من المسجد وليس في ذهنه موضوع معين؛ لكثرة المواضيع.
الثاني: الربط والاستنتاج
ويكون بعد تنسيق الأفكار، وترتيبها، وتقسيمها، فيقوم الخطيب باستنباط العبر، والعظات والدروس والأحكام من خلال ما عرض من معلومات، تضمنتها العناصر المستنبطة من النصوص، ثم يقوم الخطيب بعد ذلك بربط هذه الدروس والأحكام بواقع الناس، ويبين لهم كيفية الاستفادة منها، بضرب الأمثلة المتعددة المتنوعة.
الثالث: الاعتماد على صحة المعلومات
بأن تكون المعلومة صحيحة صادقة، فتكون مصدر ثقة للمصلين مملوءة بأفكار وقيم سلوكية تأخذ الناس إلى الخير.
الرابع: الأسلوب الحكيم
الخطيب صاحب الأسلوب الحكيم يجلب القلوب، ويثير في النفوس الخشية من الله جل جلاله، وحب الطاعة، والامتثال لأحكام الدين، والتذكير الجميل والكلم الصادق يبث الأمل في نفوس الناس، ويبعدهم عن اليأس والقنوط.
الخامس: أن يعي الجمهور لماذا أصبحت هذه القضية هامة؟ ولماذا طرحها الخطيب في هذا الوقت؟
بعض الخطب تخلو من الربط بالواقع، بل تخلو أحيانا من آية أو حديث أو قصة مشوقة، وهذا يرجع إلى أن بعض الخطباء قد يحضر خطبته في أقل من ساعة، ثم يخرج يلقيها على الناس دون أن يعي ولو بعض جوانبها، فلنعلم أحبتنا أن الخطيب في كل أسبوع يقدم فكره، وثقافته للناس.
طريقة بناء الخطبة
تبنى الخطبة من ثلاثة أركان: المقدمة، الموضوع، الخاتمة.
وهذه الأركان الثلاثة متداخلة، متناسقة، يبلغ بها حد الجودة مقدرة الخطيب، وغزارة علمه، والانتظام في هذه الأجزاء، يجعل الخطبة واضحة المقاصد، وتضمن للمتحدث حسن الإصغاء من سامعيه.
1- المقدمة:
هي أول ما يلقيه الخطيب على جمهوره، فإذا فاجأهم بحسن المقدمة، استطاع متابعة جمال خطبته معهم.
فعلى الخطيب أن يعتني بمقدمته، بأن يأتي بالعبارة السهلة، التي توحي للسامعه بمقصود الخطبة، مما يشد الانتباه ويهيئ النفوس، وقد يكون بآيات قرآنية زاجرة، أو مرغبة.
ويشترط في المقدمة:
1- أن تكون متصلة بالموضوع، تخدمه، تمهد له، وفي هذا العصر أصبح البعض يتفنن في مقدمته، ويوثق صلتها بالموضوع بطرق شتى.
2- أن تكون واضحة، مناسبة لعقول السامعين، موزونة المعاني، دقيقة التعبير، لأن السامعين في أول الخطبة أبصر بالنقد، وأقرب إلى العناد، حتى إذا ما بهرهم الخطيب، أسلسوا له القياد.
3- أن تكون مشوقة، تجذب السامعين إلى موضوع حديثه، غير مبتذلة، أو مشاعة صالحة لكل خطبة.
وكما قال ابن المقفع: ليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك، كما إن خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته.
4- أن تناسب الخطبة طولا وقصرا، لأنها مقدمة لا خطبة، وتمهيد لا موضوع، ولأنها إن طالت استنفدت جهد الخطيب، وانتباه السامعين، فيُحرم الموضوعُ نشاطَه ونشاطهم.
2- الموضوع:
إن استغنى الخطيب أحيانا عن المقدمة، أو عن الخاتمة، فلا يستطيع أن يستغني عن عرض الموضوع، لأنه الخطبة ذاتها أيا كان نوعها، وهو مقصود الخطبة الأعظم، ويجوز ذكر موضوع الخطبة بداية، ولكن الأولى التدرج في تناول الموضوع، تناولا غير مباشر، متسلسلا، إلى أن يصل إلى مبتغاه.